بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهري وعلى صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أنقل لكم إخواني هذه الرحلة الرائعة وهي زيارة الأبواء والتي ورد في السنة النبوية الشريفة أن السيدة /آمنة بنت وهب -أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دفنت فيها ..
يبدأ كلامه الأستاذ/عمر المضواحي بقوله
مساجد وأسواق وآبار أثرية يحرسها جدل قديم عن قبر السيدة آمنة بنت وهب
الأبواء (جنوب المدينة المنورة) على طريق الهجرة القديم بين مكة والمدينة تقع تلة جبلية شهيرة يتوسد قمتها قبر معروف طوال قرون بأنهلالسيدة آمنة بنت وهب أم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ترقد فيه.
وفي السنوات الأخيرة، بعث من جديد جدل قديم حول صحة مكان القبر، سرعان ما انتهي بعد أن حسمت مجموعة من المتشددين أمرها وأزالت القبر «المزعوم حسب قولهم » عن وجه الأرض، بعيدا عن أعين الناس والتاريخ وحماة الآثار. وسط واد عريض يعرف باسمها، تشتهر قرية الأبواء (210 كلم إلى جنوب المدينة المنورة) كأهم محطات طريق الحاج القديم، كونها وفيرة الماء والزرع بما يكفي لقوافل الحجيج والمعتمرين. وهي تعرف الآن باسم «الخريبة» نظرا لتعرضها لسيل جارف أحدث فيها خرابا فسميت به. ورغم وجود آبار قديمة وكثيرة، أشهرها بئر«بن مبيريك»، المحاطة باستراحات أثرية إلا أن مياهها الآن شحيحة، وغير صالحة للشرب.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ولا يخالج أهالي الأبواء أدنى شك بأن السيدة آمنة بنت وهب لفظت أنفاسها الأخيرة في مكان ما من قريتهم العتيقة في طريق عودتها من يثرب «المدينة» إلى مكة. على أنهم يبتلعون ألسنتهم عند الطلب منهم تحديد المكان الذي دفنت فيه بدقة.
وغالب زوار الأبواء، الذين يفدون إليها عادة في المواسم الدينية، هم من الحجاج والمعتمرين القادمين من الهند وباكستان ودول جنوب شرق آسيا وإيران ومصر وغيرها، وكانوا يأتون لزيارة «مرقد أم النبي» بعاداتهم وتقاليدهم وهم محملون بالبخور ودهن المسك والعود والعنبر وأنواع الطيب لسكبها فوق حجارة القبر. كما يحرص بعضهم على صبغ حجارته باللون الأخضر، فيما يقوم آخرون بكسوة ظهر الضريح بلفائف من القماش الأخضر تكريما لصاحبته، ومودة ليتيمها خاتم الأنبياء عليه السلام.
كما يلتزم اتباع المذهب الشيعي الجعفري بمداومة الحضور وزيارة القرية كونها، إلى جانب الضريح، مسقط رأس الإمام موسى الكاظم (128 هجرية) حفيد سبط النبي عليه السلام.
ويشتاط كثير من الأهالي غضبا، وخصوصا المتشددين دينيا، من عادات الزوار وتصرفاتهم في تعظيم القبور المنهي عنه في الإسلام. ودائما ما يدفعهم حنقهم الى الدخول في مشاجرات وتلاسن مع المغالين لمنعهم عن صرف أي شكل من التكريم للقبور لما يعتقدون أنه طريق الى «الشرك» بالله الواحد. مما مهد الطريق عبر السنوات الماضية الى إزالة القبر المشهور.
وبتحرج بالغ يروي راشد اليوبي (أبو سعد) أخبارا عن أحوال الزوار ومدى ما يلقاه أهالي القرية من عنت وجفاء عند نصحهم بأن ما يفعلونه عند القبر مخالف للسنة النبوية, ومهددا لعقيدة الإيمان بقوله «إنهم لا يستمعون إلى نصحنا ورغبتنا الصادقة في الخير لهم. وأشد ما نلقاه من حرج عندما يشيح الزوار بوجوههم سخطا علينا وهم يرددون: «هل هذه ضيافتكم لنا يا أهل أم النبي».
وبثقة لافتة يؤكد شيخ قرية الأبواء سالم المحمدي، أن أم النبي عليه السلام دفنت في الأبواء. لكن القبر المشهور في أعلى الجبل لا يجوز نسبته اليها. مبررا قوله «يقع القبر وحيدا في رأس جبل، على عكس ما ذكرته كتب السير والتاريخ من أنها دفنت بين مقابر عدة». وأضاف «الثابت لنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام مرَ بالأبواء مع نفر من أصحابه، ومرً بين مجموعة قبور ليقف على أحداها، قبل أن يخبر أصحابه بأنه قبر أمه آمنة بنت وهب». ولكن السؤال.. إذا كان القبر المشهور مزعوما كما يؤكد شيخ الأبواء، فأين موقع القبر من القرية؟ أجاب على ذلك المحمدي بعد لأي شديد «هناك مقبرة قديمة تعرف بـ(أم عثمان) وهي أقدم مقابر القرية المعروفة، لكنني لا أستطيع التأكيد على أنها تضم رفات أم سيدنا رسول الله عليه السلام». وبسؤاله من تكون«أم عثمان» المرأة الأكثر شهرة من أم النبي؟ أكتفى المحمدي بمط شفتيه وهز كتفيه الى أعلى، كناية عن جهله بالأمر برمته.
وخلال سبع ساعات متواصلة، كان الدليل «أبو سعد» وهو العارف بكامل تفاصيل المنطقة، يقطع بنا أرجاء وادي الأبواء أحد أكبر أودية الحجاز التهامية. وقفنا مرارا على شواهد تمثل جزءا مهما من بدايات التاريخ الإسلامي، وآثارا لآبار قديمة، ومساجد عتيقة، لم يبق منها سوى بضعة أحجار مرصوفة تحدد مكانها القديم الذي ورد بشأنها أن النبي محمد صلى فيها، ويطلبها الزوار لنيل شرف الاقتداء وبركة الصلاة فيها.
كانت إطارات السيارة تخترق التخوم والكثبان الرملية بسرعة كبيرة مخلفة سحبا من الغبار والأتربة، على أمل أن نصل الى المكان قبيل غروب الشمس. كان واضحا حرص الدليل على أن نتوه في هذه الفلاة الواسعة كي لا يعرف أحد طريق العودة إليها مرة أخرى. وقبل أن يتملكنا اليأس في الوصول أشار أبو سعد بسبابة جافة وصوت متردد، باتجاه ما بدا أنه مقبرة قديمة في بطن الوادي وهو يقول «بين هذه القبور يوجد قبر أم النبي.. لكن لا أحد بين جنبات هذه الحرات يعرف الموقع بدقة».
لم يكن هناك ما يشير الى أنها مقبرة قديمة، لولا بقايا حجارة عبثت بها صروف الزمن والإهمال، متناثرة هنا وهناك فوق هذا الجزء المفتوح من الوادي. والمقبرة، على الإجمال، لا تتميز بشيء عن ما جاورها من فضاء رملي تحفه شجيرات شوكية، سوى أن أعشابها وحشائشها أكثر اخضرارا أو هكذا تبدو للناظر. وغير بعيد عن المكان تقف حرة سامقة، متشحة بالسواد، في اتجاه الجنوب.
تتعدد المناطق الأثرية في القرية خصوصا في جانبها الجنوبي باتجاه مكة عند ما يعرف بـ«ريع هرشا» وهو جبل مرتفع يقطع طريق الحاج القديم. وتتملك الدهشة كل من ينظر إليه كيف تمكن السكان القدماء بأدواتهم البسيطة من حفر طريق بعرض 8 امتار في جبل بركاني صلد، لتسليك طريق الحجاج، وزادوا عليه إنشاء جدار من الحجارة تعرف بالـ «رضم» رصت بعناية على جانبي الطريق تعلوها على ارتفاع نحو ستة أمتار تقريبا قشرة سميكة من الطين المخلوط بالتبن والحصى لحماية العابرين من تساقط الأحجار والأتربة فوق رؤوسهم. ويؤكد «أبو سعد» أن ريع هرشا كان أصعب مرحلة في طريق الحاج القديم. وفي سفح الجبل المتجه الى الشمال يوجد المسجد الأبيض مقام بالقرب من المكان الذي يعتقد سكان القرية أن النبي صلى اللهعليه وآله وسلم صلى فيه.
والى الشمال من وادي الأبواء توجد منطقة تعرف بـ«العاصد» وهي مناخ اعتاد البدو الرحل على النزول فيه مع مواشيهم عند حلول الربيع، وبالقرب منه تنتشر آبار قديمة شحيحة الماء، أشهرها بئر «بن مبيريك». وعادة ما تتوفر الآبار على استراحات يجلس فيها المسافرون عبر طريق الحاج القديم للراحة والتزود بالماء أثناء تنقلهم بين مكة والمدينة.
تركنا العاصد خلفنا، لنتجه الى موقع يقال له «تلعة أبو صريحة» وهو المكان، كما يؤكد الأهالي، الذي أناخ فيه النبي ركابه عند هجرته الى المدينة وبات ليلته فيه. وكالعادة لا يوجد ما يشير الى أهمية المكان وتاريخه، لكنه لازال محفوظا في صدور السكان يتناقلونه شفهيا جيلا بعد جيل.
لا يغفل الناظر على ثراء الحياة الفطرية في هذا الوادي. فعلى غصون أشجار الطلح والسدر تشاهد أعشاش طائر يعرف محليا باسم «سويد أبا العنم»، وهي مغزولة بشكل كروي بديع بالقش والريش، ولها فتحات الى الشرق، بحيث لا يدخلها الهواء الساخن، وما يحمله من الغبار حماية للبيض والأفراخ الصغيرة. ومن الطيور المشهورة أيضا في الأبواء «القماري» و«النغاري» و طائر «الصعو».
في مرعى كثيف الحشائش والأشجار، خلف جبل صغير جلس شيخ قرية الأبواء سالم يوسف عطية أبو جلي المحمدي يحتسي القهوة وحيدا على أريكة مفروشة بجلد الضأن وأمامه وعاء مملوء بتمر معجون بالسمن البلدي وبدقيق حبوب الدخن، وهو يراقب عمل راعى له يهش على قطعان الأغنام لتأوي إلى حظائرها قبل غروب الشمس، ووراءه برج عال تتزاحم أجنحة أسراب الحمام على فتحات أعشاشها المرتفعة.
وقص الشيخ حكايات وروايات عن قريته القديمة، التي يسكنها نحو خمسة آلاف نسمة، معظمهم من قبيلة حرب من «بنو محمد» و«بني أيوب من البلادية» ومنهم قبيلة اليوبي والمحمدي والنعماني، والسادة. ويعمل اغلب السكان في الرعي والزراعة، وهي تشتهر بزراعة الطماطم والبامية والبطيخ وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى كالقمح والخضروات. وتكتمل فيها المدارس التعليمية بمختلف مراحلها للبنيين والبنات، كما تتوفر على مركز صحي لتقديم الرعاية الطبية للسكان ويعرف عن سكانها التعاون فيما بينهم، كما يشتهرون بالطيبة، وإكرامهم للضيف وبالعادات العربية الأصيلة.
ويقول الشيخ المحمدي إن الأبواء تضم آثارا كثيرة، ومر بها الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه مرارا، وفيها مسجدان ثبت أنه صلى فيهما، كما ورد أنه اغتسل بها، وأُهدى إليه حمار وحشي من أهل القرية.
وقال إنه قرأ في أمهات الكتب أن أول غزوة غزاها النبي في الإسلام كانت في الأبواء، بعد اثني عشر شهرا من مقدمه إلى المدينة، وكانت في شهر صفر، ولم يقاتل فيها ولم يلق كيدا. وأن النبي أقام بالأبواء بقية صفر وعاد في ربيع الأول، وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة أبيض اللون يحمله عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وتم الصلح في مكان يقال له «شعيب جاروه» وهو مكان معروف بهذا الاسم حتى الآن.
وأشار إلى أن الكتب القديمة ذكرت أن النبي عليه السلام بات في مكان يعرف حتى الآن باسم «أم مريخة» وبعد ذلك ذهب إلى «مزاح»، ثم الى مكان يقال له «أم كشنة» وبعدها دخل البساتين، ومن ثم راح الى «أم البرك» في طريقه الى «المسيجيد» وهذا الطريق هو خط مسار الهجرة القديم. ولم يخف الشيخ المحمدي شعوره بأن طريق الهجرة القديم يعاني من الإهمال، وهو بحاجة الى إاهتمام أكبر وترميم، لما نقض منه واندثر. وقال بحزن ظاهر: السعوديون يسافرون سنويا الى الخارج ويهتمون بزيارة الآثار في مقاصدهم السياحية هناك، ومن الأصلح أن نهتم بالآثار الموجودة في مدننا وقرانا التي تحتوي على كنوز أثرية توثق بدايات تاريخنا الإسلامي.
* آمنة بنت وهب في كتب السيرة: في الأبواء عاد النبي إلى مكة يتيما.. وعمره ست سنين
* تحفل كتب السيرة بشذرات من قصص أم النبي عليه السلام ووالده. وهي تتفق على أن صعيد الأبواء ضم رفات السيدة آمنة بنت وهب، لكننا لم نقف على ما يشير إلى مكان قبر والده صلى الله عليه وسلم.
وتورد المصنفات التاريخية أن السبب في دفنها بالأبواء أن عبد الله والد النبي محمد عليه السلام كان قد خرج إلى المدينة يمتار تمرا، فمات بها، فكانت زوجته آمنة تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره. فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين، خرجت زائرة لقبره ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة، ماتت بها، ويقال ان أبا طالب عم النبي زار أخواله بني النجار بالمدينة، وحمل معه آمنة، فلما رجع منصرفا إلى مكة ماتت بالأبواء.
وفي كتابه «إنها فاطمة الزهراء» أورد الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام السعودي الأسبق أن السيدة آمنة بنت وهب توجهت مع إحدى القوافل عائدة إلى مكة بعد زيارة قبر زوجها في المدينة.. «وهناك في الأبواء هبت عاصفة هوجاء أخرت مسيرة القافلة أياما، وتهاوت السيدة آمنة مريضة لا تقوى على السير، ومن ثم أسلمت الروح بين يدي ولدها الحبيب مودعة إياه بقولها: كل حي ميت، وكل جديد بال، وكل كبير يفنى. وودع الجثمان الطاهر في صعيد الأبواء». وأورد المؤلف في مصنفه النادر قصة زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لقبر أمه بعد أكثر من أربعين سنة من فقدها. وساق حديث شريف جاء فيه «عن عبد الله بن مسعود قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر فأمرنا فجلسنا، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فجلس إليه فناجاه طويلا ثم أرتفع صوته ينتحب باكيا فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ما الذي أبكاك يا رسول الله فقد أبكانا وأفزعنا؟ فأخذ بيد عمر ثم أومأ إلينا فقال: أفزعكم بكائي؟ فقلنا: نعم يا رسول الله. فقال ذلك مرتين أو ثلاثا، ثم قال: إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر أمي آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي». وجاء في سيرة الصحابية بركة بنت ثعلبة «أم أيمن» حاضنة النبي عليه السلام أنها كانت مع آمنة بنت وهب حين ذهبت إلى المدينة لزيارة بني النجار أخوال جده عبد المطلب، ولما عادت إلى مكة مرضت آمنة في الطريق، وتوفيت بالأبواء. فعادت أم أيمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصبحت حاضنته، وأوقفت نفسها لرعايته والعناية به، وغمرته بعطفها، كما غمره جده عبد المطلب بحبه، وعوضه الله تعالى بحنان جده وأم أيمن عن حنان الوالدين.
وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه وسلم